جايبتلكم اليوم تامل حلو انشاااالله تحبووووه
* * *
* * * * * * * * * *
* * *
* * *
لا يغلبنّك الشر
حقاً. ما أجمل هذه العبارة:
لا يغلبنّك الشر. بل اغلب الشر بالخير
فحياة الإنسان كثيراً ما تكون فيها مواقف اختيار أو اختبار: إلي أي الأمرين
ينحاز: إلي الخير أم إلي الشر؟! وقد يظن المرء أن صالحه يكون في جانب
معين. وربما يكون في هذا الجانب مغلوباً من الشر!
إنها مشكلة مباديء. أو مشكلة مفاهيم. أو مقاييس..
متي يكون الإنسان غالباً بالحقيقة؟ ومتي يكون مغلوباً؟
إن هابيل البار قد قتله أخوه. فمن منهما كان المغلوب؟
القاتل أم القتيل؟ بلا شك أن القاتل كان مغلوباً.. غلبه الشر...
وبنفس المنطق نسأل: من كان الغالب في عصور الاستشهاد؟ هل هم أباطرة الرومان
القساة الطغاة. الذين استطاعوا أن يعذبوا ويقتلوا من لم يعبد آلهتهم ولم
ينجر لأصنامهم؟ أم كان أولئك الأباطرة مثل نيرون وديوقلديانوس مغلوبين حقاً
من الشر والقسوة والوثنية!!
***
إن أول من غلبه الشر هو الشيطان...
غلبه الشر. فأسقطه من درجته الملائكية. فهبط من السماء إلي الأرض هو وكل
أعوانه. وعلي الرغم من أنه يغلب الكثيرين من البشر. ويسقطهم معه. إلا أنه
في كل ذلك يعتبر أنه مازال مغلوباً من شره. يزيد إلي شره شراً. وإلي عقوبته
عقوبة...
إن الغالب بالحقيقة. هو الذي يغلب نفسه. وليس من يغلب غيره.
هو الذي يضبط نفسه ويقمعها. وينتصر علي نزواتها وشهواتها. ويخضعها لقيم
وروحيات لا تتعداها. فتكون منه تحت حكم حازم حاسم... هذا هو الغالب حقاً.
حتي لو بذل في ذلك تضحية ما أو تضحيات...
هو الذي يكبح جماح نفسه وقت الغضب. فلا ينتصر عليه الانفعال. ولا يوقعه في
أخطاء تُمسك عليه. بل يكون كالجبل الصامد الراسخ. الذي مهما هبت عليه عواصف
لا تزلزله. والمعتدي عليه يرجع مغلوباً...
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهي قرنه الوعلُ
***
الغالب بالحقيقة هو الذي لا يرد الشر بالشر. ولا الإساءة بالإساءة..
لا تغلبه الإساءة فينزل إلي مستواها. ويرد بمثلها. فتكون قد أحدرته معها
إلي أسفل. بل علي العكس هو يرتفع عن تأثيرها. فلا تستطيع أن تثيره من
الداخل ولا من الخارج. إن الإساءة لم تغلبه.. بل كان الخير الذي فيه. أقوي
من الشر الذي فيها... وكانت قوة الاحتمال الذي عنده. أقوي من عنف العدوان
الذي عند المسيء...
هل تظن الشخص الإرهابي إنساناً يغلب غيره ببطشه واعتدائه؟
كلا. بل هو مغلوب من القسوة والشر. ومن الرغبة في تحطيم غيره أو قتله. وهو
مغلوب من مباديء تدفعه إلي كل ذلك. وقد يكون مغلوباً أيضاً من قيادات تدفعه
إلي السير في طريق لابد أن يسير فيه. سواء بإرادته واقتناعه. أو بمجرد
دافع الطاعة!
***
بنفس المنطق نتكلم أيضا عن الانتقام:
إنسان يُقتل أبوه أو أخوه. فيصر علي الانتقام من القاتل أو من أحد أقربائه.
فإن فعل ذلك. ونجح في الانتقام وفي سفك الدم. أيكون حينئذ غالباً أم
مغلوباً؟ لا شك أن الشر يكون قد غلبه...
غلبته الرغبة الآثمة في سفك الدم. وغلبته تقاليد عائلية تنص علي أن الدم
لابد أن يقابل بالدم. وغلبه الشعور الخاطيء بالعار. إن لم يقتل قاتل أبيه
أو أخيه. وعبثاً تحاول أن تغطي علي ضميره النشوة المؤقتة التي تشعره بأنه
من الغالبين بقتل القاتل وعدم تركه إلي قبضة القانون لكي يقتص منه...
***
الإنسان يكون مغلوباً أيضاً إذا غلبه الشر في عادة رديئة...
كعادة التدخين مثلاً. فقد يظن فتي أو شاب أنه قد صار رجلاً. حينما يضع
كالرجال سيجارة في فمه. وينفث دخانها في الهواء.. وحينما نري فيما بعد أنه
لم يعد قادراً علي إبطال هذه العادة. يتيقن تماماً أنه قد صار
مغلوباً منها. سواء كانت سيجارة أو سيجاراً. أو بيبة أو شيشة.
وما يقال عن العبودية للتدخين. يقال عن العبودية للخمر. أو لأي نوع من الإدمان. فالإدمان اعتراف من
المدمن أنه مغلوب مما قد أدمن عليه...
في كل هذا يكون المدمن قد فقد إرادته. ولم تعد له قوة الشخصية التي يبطل
بها ما قد دخل في سيطرته من أنواع الإدمان وهنا تقف أمامه عبارة "لا يغلبنك
الشرّ".
إننا نذكر بحزن شديد ذلك الرياضي الموهوب الشهير. الذي أدمن بعض المنشطات
تساعده في لعب كرة القدم. فإذا به قد صار مغلوباً من هذا الإدمان. وفقد
شهرته وسمعته ونجوميته. وضاع كغيره...!
***
إن الشر له حيله ووعوده وخداعه. فاحذر منه لئلا يغلبك
قد يغلبك الشر من الخارج بأحلام ورؤي كاذبة. فتنقاد بها ظاناً أنها من الله. بينما لا تكون كذلك فتضلك.
فاحذر منها. واحذر من الذين يدعون المعرفة بالمستقبل. عن طريق التنجيم. أو
قراءة الكف. أو ضرب الرمل. أو قراءة الفنجان. وما أشبه من الطرق العديدة
التي يقودونك بها. ويدفعونك إلي سلوك أسلوب
معين. فإن أطعتهم يكن قد غلبك الشر.
وقد يُصور لك الشر أحياناً بأنه خير. فيخدعك وتتبعه!
وحينئذ يكون قد غلبك الشر. وصدق الحكيم حينما قال:
"توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة. وعاقبتها طرق الموت".
***
وقد يأتيك الشر من صحبة ضالة مضللة تلبث ثياب الأصدقاء!
إما بنصيحة خاطئة. أو بدعوة للاشتراك معهم في عمل خاطيء.
فعلي الشخص أن يكون قوي الشخصية. لا ينقاد إلي غيره. بل تكون له مباديء وقيم لا يتزحزح عنها. مهما
كانت إغراءات الأصدقاء.
والأفضل من كل هذا. أن يحرص كل إنسان علي اختيار نوعية أصدقائه. بحيث أن يكونوا محبين للخير يرفعونه معهم إلي فوق.
والشر الذي يأتي من الخارج. قد يكون من البيئة أو من الكتب أو من الصحف. أو
من سائر وسائل الإعلام. ومن جهة هذه ينبغي الحرص في انتقاء ما يفيد.
والبعد عن كل ما هو معثر..
***
وقد يأتي الشر من داخل الإنسان. من شهوات نفسه...
وما أكثر الشهوات التي تحارب الإرادة. وكلها من القلب. إن لم يكن القلب
طاهراً ونقياً. فلا تجعل واحدة من هذه الشهوات تغلبك أو تقودك في تيارها...
اغرس محبة الله ومحبة الخير في قلبك. واعمل علي إنمائها بتداريب روحية
متنوعة وكثيرة. واقرأ عن سير الأبرار الذين حافظوا علي نقاء سيرتهم.
وقاوموا الشر بكل ما يملكون من جهد.
قاوم شهوة الجسد. وشهوة حب الظهور. وشهوة حب المديح. وشهوة التعالي علي
الآخرين. وشهوة الانتقام. وباقي الشهوات التي تلطخ جمال نفسيتك. ولتكن لك
إيجابيات ضدها.
***
وباستمرار اهتم بنقاوة الفكر والقلب والحواس...
لا تسمح لأي فكر خاطيء أن يغلبك. وأن يدخل إلي ذهنك ويستمر فيه وقتاً. ولا
تسمح لهذا الفكر أن ينمو. وأن يتحول في داخلك إلي حكايات وقصص تشبع بها
نفسيتك...
لا تجعل الفكر يتحول إلي رغبة تتحمس لها. ولا تجعل أمثال هذه الرغبات
الخاطئة أن تتحول إلي شهوة تضغط علي إرادتك لكي تدفعها إلي التنفيذ. لا
تغلبنك كل رغبات قلبك إن انحرفت. بل وبخها. واطردها عنك. قبل أن تستقر فيك.
كذلك كن حريصاً علي حواسك وبخاصة النظر والسمع لأنها كلها أبواب للفكر. فما تنظره وما تسمعه. قد يكون مادة لفكرك.
إذن لا تسمح أن تغلبك الحواس. فتنقاد إليها وتضر نفسك. بل حاول باستمرار أن تضبط حواسك فيما تجمعه وما تصبه في الفكر.
***
أيضا احرص علي ألا يغلبك لسانك. بما يحمل من أخطاء الكلام
واذكر قول داود النبي في المزمور "ضع يارب حافظاً لفمي. باباً حصينا
لشفتيّ". واعرف أن كل ما تلفظه بفمك. لا تستطيع أن تسترجعه مهما ندمت عليه.
بل هو محسوب ضدك.
ما أكثر الذين يقعون في أضرار عديدة بسبب ألسنتهم!
فلا تجعل لسانك يغلبك. واذكر عبارة ذلك القديس الذي قال "كثيراً ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي. فما ندمت قط"...
إذا كلمك أحد. فاحترس ألا تقاطعه أثناء كلامه. أو أن يعلو صوتك عليه. ولا
يتحول حواركما إلي شجار أو عراك. كما ينبغي أن تحرص في انتقاء الألفاظ التي
تستخدمها. فلا تكون جافة ولا قاسية ولا نابية. وإلا يكون لسانك قد غلبك...
***
أيضاً احرص كل الحرص ألا يغلبك طبعك. إن كانت فيه أخطاء..
مساكين أولئك الذين يغلبهم طبعهم. إن كان في طبعهم التحرش بالآخرين. أو كان
في طبعهم قسوة أو عنف. أو حب السيطرة علي الآخرين. أو التدخل في خصوصياتهم
بدون وجه حق. أو كان الطبع عدوانياً أو شتاماً أو متسلطاً.. وفي تحليل
أخطاء هذا النوع من الناس. نقول إنه مغلوب من طبعه!
راقب إذن طباعك. وأعرف ما هو الخطأ الثابت فيها. وحاول أن تغيرّ ما فيك من
طباع خاطئة. وليس هذا أمراً عسيراً. فكثير من التائبين تحولوا إلي العكس.
فاحكم ياأخي علي نفسك قبل أن يحكموا عليك.
***
وسنحاول هنا أن نعرض بعض الطباع التي ينغلب بها كثيرون:
هناك من يغلبه الطمع. فيسود علي طباعه. فهو يحب الكثرة بأنواع عديدة بغير
ضابط. كالتاجر الذي يحتكر السوق لكي يتحكم فيه. أو الذي يبالغ في رفع
الأسعار. غير مبال باحتياجات المشترين...
وهناك من يغلبه الغش. ويري أنه أقصر طريق يوصله إلي ما يطلب. كالبائع الذي
يغش في تجارته لكي يكسب. وكالتلميذ الذي يغش في امتحاناته لكي ينجح.
كل أولئك تصوروا أنهم يصلون إلي "الخير" الذي يريدونه. بينما هم مغلوبون من الطمع أو من الغش.
والبعض قد يكون مغلوباً من الكذب. ظاناً أنه بهذا الأسلوب يغطي علي أخطائه.
وينجو من المسئولية! أو أنه بالكذب يمكنه أن يصل إلي الغرض الذي يريده..
والبعض قد يلجأ إلي العناد مثل فرعون حاسباً أنه باستمرار العناد سوف يثبت علي وضعه. ويصل!!
***
وهناك طباع أخري. أو وسائل خاطئة. يري بها البعض أنها توصله إلي هدفه. بينما لا توصله إلا إلي الضياع!
منها الحيلة والخداع. أو ما يمكن تسميته بالتحايل...
وقد يحاول البعض أن يعتبره لوناً من الذكاء. أو قل من الدهاء. يلجأ إليه المبدأ المكيافيلي القائل بأن الغاية تبرر الواسطة!
علي أن الأبرار يرون أنه لابد من واسطة سليمة لتوصل إلي غرض سليم...
***
البعض قد تغلبهم الرفعة والكبرياء يلجأون إليها باسم الكرامة
وهؤلاء خطيئتهم الأولي هي [الذات]. فهم متمركزون حول ذاتهم. يعملون علي علوها وتمجيدها.. وتكون الكبرياء هي الوسيلة.
علي أن هذا النوع من الناس غير محبوب. وغير متجاوب مع غيره. ويلزمه التواضع لكي يعالج به كبرياء الذات.